لماذا تتصدر المساجد الكبري مواقع إسطنبول السياحية؟ هل بسبب تخطيط المناطق المحيطة بها لتضم وسائل الراحة، أم بفضل جمال تلك المساجد، وإبداعها المعماري الخالد … التي تُصعِب علي زائر اسطنبول أن يقرر أيها أحق بالزيارة
ففي مدينة تحوي أكثر من ثلاثة آلاف مسجد… وفي عاصمة العمارة العثمانية منذ القرن الخامس عشر، هذه إحدي عشرة من مساجد اسطنبول الكبري… التي يجمع معظم زائري المدينة… آن لم يكن جميعهم علي -رؤيته، مرتبة في سياق تاريخي… وللقارئ أن يعيد ترتيبها حسب تقييمه لأكثرها جمالا
- مسجد آياصوفيا (الصغير)- 526م
- آيا صوفيا (الكبير)– 532م
- جامع أيوب سلطان- 1458م
- جامع بايزيد الثاني-1512م
- مسجد شهزاد- 1548م
- السليمانية ( الجامع العظيم)– 1557م
- مسجد رستم باشا- 1563م
- السلطان أحمد (المسجد الأزرق)- 1616م
- يني كامي (المسجد الجديد)- 1663م
- مسجد الفاتح-1771م
- جامع أورطة كوي- 1854م
هذا الترتيب التاريخي ليس دقيقا دائما… فالمدينة تتعرض لزلازل شديدة كل عدة عقود … تلحق دماراً بأجزاء من هذه المساجد، ثم يعاد بناؤها بعد عقود أو قرون
آياصوفيا (الصغير)- 526م
أمر الامبراطور جستينيان الأول ببنائه كنموذح مصغر لكنيسة أيا صوفيا الكبيرة… قبل الشروع في مشروعه الضخم، وهو الأن أقدم مباني اسطنبول البيزنطية الباقية…إقرأ التفاصيل في- مسجد آيا صوفيا الصغير … ليس صغيرا
آيا صوفيا (الكبير)– 532م
بعد أن تأكد من النظام الانشائي… طلب جستنيان الأول تعديلات علي النوذج الصغير، ثم شرع في هذه الكاتدرائية البطريركية العظمي… التي ظلت لألف سنة أكبر كاتدرائية في أوروبا، حتى فاقها مسجد أشبيلية في أسبانيا عندما تحول الي كاتدرائية،… بعد سقوط أشبيلية
ظلت آيا صوفيا منذئذ ولعشرة قرون ذروة الإنجاز المعماري الشرقي… وامتد تأثيرها المعماري الي العمارتين المسيحية الغربية (الكاثوليكية) والاسلامية، وهذه الأخيرة تتبدي في مساجد اسطنبول التي سيلي ذكرها
ومن هذه التأثيرات اسلوب الانشائي للقبة علي مثلثاتها الكروية… التي تقلل من القوى الجانبية للقبة وتسمح لوزنها بالتدفق إلى الأقواس والدعامات
ومرة أخري ظلت تلك القبة هي أكبر قبة مُعلقة في العالم حتى فاقتها قبة كاتدرائية القديس بطرس بالفاتيكان في القرن 17
تحول المبني في تاريخه الطويل عدة مرات من كاتدرائية بطريركية يونانية ( أرثوذسيكة) عند بنائاها، الي اخري غربية كاثوليكية مع الغزو الروماني، ثم الي مسجد مع الفتح الاسلامي … عندما اشتراها السلطان العثماني، ثم الي متحف في الحقبة الأتاتوكية العلمانية، وأخيرا الي مسجد مرة أخري
لكن هذه التحولات الكبري المتعاقبة لم تؤثر كثيرا علي معمارها سوي في اعادة مادمرته الزلازلزل، أو إضافة مايتسلزمه الاستعمال الجديد… كهذه المآذن علي سبيل المثال… التي أضافها السلطان محمد الفاتحz
جامع أيوب سلطان- 1458م
تم بناء هذا المسجد عام 1458م… كأول مسجد في القسطنطينية بعد خمس سنوات من فتحها عام 1453م، ثم أعيد بناء المسجد الحالي عام 1800م، إقرأ تفاصيل المسجد في الرابط التالي: جامع أيوب سلطان… أجمل مساجد اسطنبول
جامع بايزيد الثاني-1512م
أحد مساجد السلاطين العثمانيين الكبار، وهو أحد أكبر مساجد إسطنبول كذلك، وقد أمر السلطان بايزيد الثاني ببنائه- في الفترة ما بين 1501 إلى 1506م، ويُنسب التصميم إلى المهندس خير الدين
يتكون هذا الجامع الضخم من المسجد الذي يتوسط مجموعة من المباني الاجتماعية .. كعادة مساجد تركيا، مثل مطبخ لإطعام الفقراء، ومدرسة ومستشفى خيري، ومركز لتعليم القرآن ونكذا، الا أن مسقطه الأفقي ليس متناطراً حول محور كما في جامع الفاتح الذي لايبعد عنه كثيرا، حتي أن مئذنتاه المتشابهتان تعلو أحداهما الأخري بسبعة أمتار، ورغم التشابه بين مسجد بايزيد الثاني وآيا صوفيا إلا أن بايزيد أظهر روحا جديدة للمعمار التركي والسلجوقي،
مسجد شاه زاد- 1548م
بني “مسجد الأمير” أو شاه زاده- باللغة التركية، بتكليف من السلطان سليمان الأول- القانوني- تخليداً لذكرى ابنه الأمير محمد الذي توفي شاباً، فبناه المعماري الأول للإمبراطورية معمار سنان علي قمة هضبة الفاتح، ليكون أول تحفه للعمارة العثمانية الكلاسيكية
وتبرز الأعمدة الثقيلة تطور سنان في تقنياته، التي اكتملت في أعماله اللاحقة … والمسجد يضم بالطبع قبر كبير للأمير محمد الذي سمي المسجد علي إسمه.
تضيف النوافذ الملونة علي الفراغ الداخلي مع ضوء النهار سينفونية من الأضواء الملونة الخلابة
نستطيع دائما اضافة هذه التصميمات الجميلة إلي منازلنا بالزجاج الملون أو بملصقات علي النوافذ القديمة
السليمانية ( الجامع العظيم)– 1557م
تم بناء المسجد عام 1557 م ، كما هو منقوش أعلي مدخله الكبير… وذلك كعادة المساجد في ذلك الوقت
بناه المهندس الشهير معمار سنان بتكليف من السلطان سليمان القانوني، ليحمل إسمه… ويصبح ثاني أكبر مسجد في اسطنبول، واحد أشهر معالمها، وكان سِنان هو المهندس الأثير لأربعة سلاطين… من أول سليم الأول ، حتي مراد الثالث. والذي تكرر اسمه في المساجد الكبري حتي وفاته عام 1588م
بني المسجد على طراز العمارة العثمانية الكلاسيكية، وإن كان التصميم يظهر تقديس السلطان لقبة الصخرة وتأثره بها في قبة الجامع الكبيرة التي بلغ قطرها سبع وعشرون مترا، وارتفاعها ثلاث وخمسون مترا، أما الهيكل فمن الحجر المنحوت المركّب بدون ملاط وهي خاصية في الطراز الأناضولي
كما أبدع المعماري في التصميم الداخلي والنظام الصوتي الملافي لصدي الصوت… وآيات الذكر الحكيم التي تزين جدرانه بأحرف كبيرة، وكذلك بلاط الإزنيك المزخرف
يقع المسجد علي هضبة تشرف علي معظم أرجاء اسطنبول الأوربية، فمطله من نايحة علي ميناء أمينونو علي البسفور… ومن اخري علي منطقة بايزيد المهمة، فالوصول اليه يسير من أي من الجهتين
مسجد رستم باشا- 1563م
بني المسجد بتكليف من رستم باشا الوزير الأعظم للسلطان سليمان – الذي يحمل المسجد إسمه؛ والذي أنفق ثروته في بناء المساجد والمؤسسات الخيرية، وان كان قد تم بعد وفاته
يطل المسجد علي الميناء الرئيسي ايمينونو، ملاصقا للسوق المصري
، ربما تجد صعوبة اول مرة في الوصول الي قاعة الصلاة اذ تقع في كابق علوي احد الطرق اليه سلما ضيقا من سوق التوابل المصري، حتي ستجد عددا اقل من المصلين اقل من الجوامع الاخر، لكن الراحة ستجدها بداخله ستنسيك المشقة وربما تنسيك ما خارجه من مشاغل الدنيا… خاصة عندما يشرع الامام في تلاوة اي من الذكر الحكيم
صمم البناء المعماري سنان كمعظم جوامع اسطنبول التي بنيت في تلك الحقبة ترتفع قبة عظيمة فوق أربعة عقود ضخمة هي الأخرييضم المسجد من الداخل مجموعة متنوعة من بلاط إزنيق، الذي يعتبر توقيعًا مميزًا للزخرفة العثمانية، وقاسماً مشتركاً لأغلب مساجد اسطنبول… وتركيا بشكل عام
السلطان أحمد (المسجد الأزرق)- 1616م
بُنيَ المسجد في عهد السلطان أحمد الأول، ويضم قبره أضافة إلي مدرسة ودار رعاية، وعدة مباني اجتماعية أخري.. كعادة المساجد التركية الكبري، وكما تنص نقوش على إحدى أبوابه فإن مهندسه هو محمد آغا احد أشهر المعماريين الأتراك
تعود شهرته بالمسجد بالأزرق إلي الأزنيق الأزرق الذي يغطي حوائطه، وهو اشهر المساجد التي سميت بذلك… وإن لم يكن أكبرها، فهناك أيضا أكبر مساجد آسيا… المسجد الأزرق في ماليزيا …
تزحر ساحة السلطان أحمد والتي تسمي أيضا ميدانسباق الخيل بالكنوز المعمارية، منها هذا المسجد وأياصوفيا والمسلتان: الفرعون المصري “توتموسيس الثالث” وثسودوسيوس ومجموعة من المباني العثمانية الأخري اضافة الي النافورة الألمانية
يني كامي (المسجد الجديد)- 1663م
بدأ بناء المسجد عام 1597 بأمر من زوجة السلطان مراد الثالث ، الا أنه بعد عدة حرائق وحوادث أعادت والدة السلطان محمد الرابع بناءه، بعد أكثر من ستون عاما، وظل من يومها اسم المسجد الجديد ملتصقا به حتي اليوم
ومعماري المسجد هو مصطفي أغا، تلميذ المهندس العثماني الشهير “سنان”… وكان مهندس البلاط السلطاني كذلك
ويجاور المسجد ميناء “أمينونو” علي الضفة الجنوبية من خليج القرن الذهبي عند جسر غالاتا الشهير… ويجمعه ساحة واحدة بالسوق المصري أو سوق التوابل الذي يناه نفس المهندس
تعلو المسجد 66 قبة بترتيب هرمي، يبلغ قطر أعلاها 36 مترًا، ويحيط بها أربعة أنصاف قباب، أما باقي القباب فصغيرة، تتدرح في النزول حتي تصل الي الرواق كما في تصميم مسجد “شيهزاده الذي عمله معلمه المعماري “سنان”
وللمسجد مئذنتان… لكل منهما ثلاث شرفات، وكما في معظم مساجد إسطنبول؛ فقد احتوى على فناء كبير جانبه الغربي، وساحة مقابرتضم رفات والدة محمد الرابع التي أمرت ببنائه
ويضم المسجد من الداخل كمعظم مساجد تركيا نماذج رائعة من البلاط العثماني… المعروف باسم بلاط إزنيق
مسجد الفاتح-1771م
بُنِيَ المسجد الحالي في عهد السلطان مصطفي الثالث… موضع مسجد الفاتح الأصلي، الذي يناه المهندس عتيق سنان ( ليس هو المهندس الامبراطوري الشهير سنان أغا المعروف بمعمارسنان) بأمر السلطان محمد الفاتح عام 1470، إلا أنه دمر بفعل الزلازل عدة مرات علي مر التاريخ… حتي أعاد السلطان الثالث بناءء عام 1771، واستعمل بعض أجزائه كمحراب المسجد القديم
و يتميز الفاتح كمساجد أخري بكونه بناءً دينياً واجتماعياً في آن، فهو يضم بيتاً للمسافرين، وسوقا، وحماما عاما، ومدرسة، ، ومطبخا عاما كان يقدم في زمنه الطعام للفقراء،
أما تصميمه فنسخة عن تصاميم المعماري الأكبر سنان لمساجده الكبري؛ فالقبة الرئيسية (قطرها 26 م) تدعمها أربعُ قباب صغيرة على كل محور… محمولة بدورها علي أربعة أعمدة رخامية كبيرة- كما في الصورة – أما مئذنتا المسجد فمدببتان لكل ثلاث شرفات علي نسق المئاذن العثمانية
Ortaköy :جامع أورطة كوي- 1854م
تم بناؤه في عام 1854 من قبل السلطان عبد المجيدن، الذي اسند المهمة إلي المعماريين الذين بنوا له قصر دولما بهجة… ولايبعد موقعه كثيرا عن أورطة كوي، ويطل مثله علي البسفور ، وان كان موقع المسجد يبرز عن باقي الساحل فيكسبه مطلا فريدا من واجهاتٍ ثلاث
وهذا المسجد الجميل، وان لم ينتمي الي مساجد اسطنبول الكبري من حيث الضخامة، إلا أنه أحد أجملها بهندسة معمارية فريدة : هي مزيج من مفردات عثمانية، مع تأثيرات أوروبية من طراز الباروك الجديد … الذي يتجلي في النقوش وتصميم الواجهة وأعمدتها الضخمة، ثم في العقد الخارجي الكبير الذي يحمل رقبة القبة، ومخالفا للطراز العثماني التقليدي متعدد القباب، ومتعدد الشرفات كذلك… بينما لجامع أورطة كوي مئذنتان طويلتان ، لكل منهما شرفة واحدة فقط
*****
: خاتمة
تشترك معظم مساجد المدينة في ضخامة الحجم… حتي غير المشهور منها، وذلك لتستوعب ألوفًا من الركع السجود- وقد حلت مشكلة إضاءة العمق كما رأينا بصفوف النوافذ الأفقية والرأسية… أو بالثريات الدائرية الكبيرة
يحتاج كل من هذه المساجد العظيمة الي تفصيل لروعة تصميمه، وعمارته الخارجية والداخلية في موضع مستقل، فإن كنت من محبي العمارة تابع الموقع ليصلك مقالات مستقلة لمساجد وقصور إسطنبول تباعاً، وإذا زرت هذه المدينة الكبيرة فهناك مساجد أكثر من هذه القائمة القصيرة، والوصية أن تخطط في زيارتك لأكبر عدد ممكن منها